2007/12/25

عودة الابن الضال الى المدرسة .. في موسم الهجرة الى الجنوب

مستشار المالكي يقول " أنّ الإيرانيين منزعجون جداً من حقيقة أنّهم أسهموا جدياً في ضبط الأمن في العراق، ورغم ذلك فإن الأميركيّين لا يعترفون بالشكل الكافي بذلك" .. هذا العتب الايراني الذي ينقله لنا بيدق البيدق الايراني في بغداد هو رد على تصريحات صدرت اول امس لمسؤولين أمريكيين بخصوص الدور الايراني في العراق وفيها اشارات مبهمة ولكنها مهمة .

ديفيد ساترفيلد، منسق الشؤون العراقية ومستشار وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس قال اول امس أن القيادة الإيرانية تتحرك «على أعلى المستويات»، وربما بقرار سياسي، للجم الميليشيات الشيعية التي تدعمها في العراق، وهو ما يفسر التراجع الكبير في الهجمات بالعبوات خلال الأشهر الماضية .. في نفس اليوم قال السفير الامريكي لدى العراق رايان كروكر ان واشنطن تعتقد أن ايران ربما كانت وراء وقف لاطلاق النار أعلنه رجل الدين الشيعي العراقي مقتدى الصدر وانها ساعدت في ضمان سريان وقف اطلاق النار في مناطق تتمتع فيها بالنفوذ .. واضاف " رأينا تراجعا في أعمال العنف من ميليشيات متطرفة.. ليس توقفا بل تراجعا. رأينا دعوة مقتدى الصدر للتجميد ثم دعوته لاستمرار ذلك التجميد. أشار الايرانيون.. ليس لنا لكن لاخرين.. الى أنهم لعبوا دورا في كل هذا.

لمن اشار الايرانيون .. لم يعد سرا اليوم ان قناة الاتصال الاوثق بين واشنطن وايران هي عبد العزيز الحكيم .. زيارة الحكيم الاخيرة الى البيت الابيض حتما كانت ضمن هذا الاطار .. السؤال هو لماذا التهدئة الان؟ .. ترى ما الذي استجد على الساحة العراقية في الاشهر الاخيرة ؟ هناك جملة في تصريح ساترفيلد تسترعي الانتباه حيث يقول ان ايران اتخذت قرارالتهدئة في العراق لانها "تنبهت الى ان المجموعات التي
تدعم في العراق قد تضر بمصالحها "ذات المدى البعيد :

Satterfield agreed that Iran was not acting out of "altruism" but rather from "alarm at what was being done by the groups they were backing in terms of their own long-term interests."

جملة "مصالحها ذات المدى البعيد" هي جملة غامضة تشير من دون ان تدل .. ما هو واضح ان فيها لهجة تهديد مبطن لايران .. ويبدوا ان هذا قد ازعج الايرانيين رغم ان لهجة كروكر كانت الطف بحسب تقرير رويترز .. ما هي تلك المصالح الايرانية الحيوية في العراق التي يرسل الملا الايراني من اجلها التلميذ مقتدى لدراسة فقه النكاح .. بينما يرسل عبد العزيز الحكيم الى واشنطن "لاستكمال العلاج" ؟ ماذا وراء التهدئة الايرانية لبيدقها المشاكس في هذه المرحلة ؟؟ قد اكون مخطئا ولكنني لا ارى غير مستجد واحد ذو اهمية على الساحة العراقية يجعل ايران تهدئ اللعبة وتحاول عدم الضرر "بمصالحها ذات المدى البعيد" في العراق: الاستدارة الامريكية نحو السنة بالاحرى نحو الشيخ السني.

لقد فتحت ايران مجالها الجوي لامريكا في حربها في افغنستان .. اسقاط طالبان وبعد ذلك صدام كان هدية لم تحلم بها ايران يوما .. في السنوات الاولى من الاحتلال حاولت امريكا ان تتوافق مع الاجنحة الايرانية "المعتدلة" وتلميذها عبد العزيز الحكيم وهذه دوائر بازارية لا ترفض "التعامل" بسعر السوق الذي تفرضه امريكا .. ولكن الاجنحة المتشددة رأت ومع تقادم التخبط الامريكي انها تستطيع مضاعفة الربح .. وحجتهم ان بضاعة امريكا في العراق كاسدة ويمكن شراها بابخس الاثمان .. وهناك فرصة تاريخية لايران في السيطرة على المنطقة و يجب ان لاتضيع تلك الفرصة التي قد لا تتكرر خلال قرون.

وامريكا ادركت منذ فترة ورطتها و خصوصا مع اعتمادها على حلفاء هم لايران اقرب .. "كيف حصل وبعد اربع سنوات احتلال اننا لم نكن نسيطر على شارع حيفا الذي لا يبعد اكثر من كيلومتر عن المنطقة الخضراء؟" .. هذا هو السؤال المدمر الذي طرحة الامريكي العادي في السنة الماضية .. وكان جواب جنرالاته قبل ساسته انهم قد اعتمدوا على "حلفاء" ليس فقط غير قادرين على الاعتماد على انفسهم اداريا و سياسيا وعسكريا ولكن ، وهنا الاهم، انهم "ارهف سمعا" لمتطلبات الاجندة الايرانية .. الاستدارة اكثر نحو السنة جاءت نتيجة لهذا الاستنتاج .. استمالة الشيخ وبالتالي تكوين قوات "الصحوة" ما هي الا تجسيد لتلك الاستدارة .. او بالاحرى هو تجسيد لصفقة مع بعض فصائل المقاومة السنية ذوي الارتباطات العشائرية.. في السياسة الامريكية ليس هناك اعداء دائمين ..هناك مصالح ..هكذا تكلمت كوندليزا رايس اول امس في اشارة كودية مبطنة الى ايران.

المعنى العسكري الميداني لاعتماد الامريكي على قوات الصحوة هو اعلان غير مباشر بفشل قوات الجيش والشرطة الحكومية .. والمعنى السياسي لها هو اعلان عدم ثقة بالحكومة الشيعية .. هذا هو المعطى الاهم على الساحة العراقية في الاشهر الاخيرة .. ايران تستطيع عرقلة عمل امريكا في العراق وهي خلال السنوات الماضية قد فعلت ذلك .. ولكن امريكا تستطيع توزيع الادوار من جديد في الداخل العراقي وفي الاقليم ..هذه هي الرسالة الامريكية لايران.. ومن هنا قرار التهدئة الايرانية الاخيرة الذي اتخذ على اعلى المستويات كما يقول ساترفيلد .. ومن هنا قرار ارسال مقتدى الى المدرسة.

سؤال الساعة الان في الساحة العراقية هو كيف سيتم التعامل مع قوات الصحوة او كيف ستوظف تلك القوة داخل الاجهزة الحكومية .. فقط ساذج سيعتقد ان الحكومة الشيعية ستسمح لهولاء بالالتفاف عليها من الداخل .. افراد الصحوات باقون على الارض في كل الاحوال .. وهم سيرتدون الاقنعة من جديد في اسؤ الحالات !! اجهزة الشرطة والجيش وبرغم الدعم الامريكي لم تستطع مواجهة تلك الفصائل بالامس ، وهي حتما لن تستطيع مواجهتها اليوم وامريكا تسلحها وتدفع لها .. ولكن السؤال ليس هنا.. اعتقد ان السؤال الاهم هو ما ستفعله امريكا بورقتها الرابحة هذه ؟ اعتقد ان هجرة الصحوات الى الجنوب هي الخطوة الامريكية القادمة .. احياء دور عشائر وشيوخ الجنوب سياسيا هي الخطوة القادمة.

تشييع عشائر الجنوب العراقية في القرن التاسع عشر(انظر اسحاق نقاش .. شيعة العراق) كان مصلحة صفوية حيوية بمواجهة الدولة العثمانية .. كل الباحثين الذين تطرقوا لهذا الموضوع من اسحاق نقاش الى بيير جان لويزار يذكرون ان من اهم اسباب التشيّع انذاك كانت النقمة على الحكومة العثمانية وقد استغل الصفويون ذلك احسن استغلال .. مكونات الهوية تتفاعل مع الظروف التاريخية وهذه مسلمة انثروبولوجية .. وهناك اليوم في الجنوب نقمة .. الاصوات بدءت تعلو ضد فقر الانجازات في المدن والمحافظات الجنوبية .. قبل اسابيع تم خطف شيوخ عشائر شيعة تحالفوا مع شيوخ عشائر سنة وتم قتل ابرزهم .. الاشارة الاهم أتت من بيان بعض عشائر الجنوب المندد بالتدخل الايراني .. ذلك البيان كان بمثابة اعلان حرب .. وخصوصا مع ظهور بوادر انشقاقات عشائرية داخل التيار الصدري .. ابناء البيوتات الشيعية فهموا الرسالة وايران كذلك .. هناك اعادة رسم للادوار في العراق .. الجنوب مقبل على موسم
ساخن جدا.

2007/11/30

من قال ان الاوضاع لم تتحسن


"What kind of government allows its people to live like this?They don't know how to provide services. They don't know how to do anything. Everything is getting worse and 

worse." Ghaida al-Banna. 50-year-old housewife

خذ الحكمة من افواه ربات البيوت .. ليس هناك مؤشر ادق سوسيولوجيا من كلماتهن عن حياة مجتمع ما .. كلام غيدا في الواشنطن بوست ذكرني بما قاله "نائب الملك" بول بريمر في مذكراته عن تلك الحثالات التي تسمى احزابا حيث قال بانهم غير قادرين على تنظيم اجتماع حتى .. كاتب مقالة الواشنطن البوست يقول انه طلب مرارا وتكرار من وزارة الكهرباء بعض الارقام بخصوص ساعات توفر الكهرباء للسكان لتكوين صورة اوضح عن الخدمات ولكن طلاباته قد تم تجاهلها .. احد مساعدي المالكي يقول له ان مكتب "رئيس الوزراء" ايضا غير قادر على الحصول على تلك المعلومات .. اذهب اذا وحاول ان تعرف مصير مليارات الدولارات المسروقة .. لا تستغرب فمؤسسات العراق ومحافظاته يديرها اليوم اشخاص لايملكون شهادة السادس الابتدائي كما هو الحال مع محافظ بابل .. من نبوخذنصر الى السيستاني "بابل" تُنهب من جديد.

قبل اسابيع وامام فقر المنجزات وغضب الناس العاديين اقترح تيار زرف الرؤوس الصدري تشكيل حكومة تكنوقراط لتحريك ضحالة "التيار" الآسن ..غريب .. عندما اقترح مبعوث الامم المتحدة الاخضر الابراهيمي تشكيل حكومة تكنوقراط في السنة الاولى من الاحتلال .. وكان ذلك في نفس الوقت الذي اقترح فيه عدم اجراء الانتخابات لعدم توفر شروطها الملازمة .. تصدى له حينذاك ابناء البيوتات الشيعية وقالوا انه سني يريد ان يحرم الشيعة من الحكم .. وحكم الشيعة !! وحصلنا على جمهورية القتل.

ذهب بريمر مكتشفا ان "الاحزاب" التي اعتمد عليها لاتملك قدرة تنظيمية وهي في طبيعة عملها تشبه الى حد كبير عمل العصابات .. مهمة خليفته الثاني زلماي خليل زادة كانت العمل على جذب السنة الى "العملية السياسية" تدريجيا املا في تصحيح المسار الكارثي .. ولا زالت محاولات الجذب التي بدأها جارية .. في ذلك الوقت صرح زلماي خليل زاده بأن ميليشيا جيش المهدي تشكل تهديدا اكبر لأمن العراق من القاعدة ومن المتمردين السنة .

U.S. Ambassador Zalmay Khalilzad declared the Shiite militias the most significant threat to Iraq's stability, replacing the Sunni insurgency and al-Qaeda
وهذا التصريح قد اغضب ابناء البيوتات الشيعية انذاك واتهموه بانه سني كما فعلوا مع الابراهيمي .. قبل ايام نشرت الواشنطن بوست تحقيق بخصوص رؤية الجنرالات الامريكيون في العراق .. وفيه نجد جملة لاتختلف كثيرا في بناءها النمطي عن جملة زلماي خليل زادة المذكورة اعلاه والتي قيلت قبل اشهر طويلة ..الجنرالات الامريكيون يذهبون اليوم الى ابعد من ذلك .. فهم يعتبرون الحكومة الشيعية الحالية هي التهديد الاكبر لهم ..اكبر من القاعدة والمتمردين السنة ومن المليشيات المدعومة من ايران.

Senior military commanders here now portray the intransigence of Iraq's Shiite-dominated government as the key threat facing the U.S. effort in Iraq, rather than al-Qaeda terrorists, Sunni insurgents or Iranian-backed militias.


قبل ايام تم تحميل الميليشيات الشيعية المدعومة من ايران مسؤولية تفجير سوق الغزل .. فيما مضى حوادث التفجير من هذا النوع كانت تنسب وبعد مرور ساعات فقط وبلا تحقيق الى "المتمردين السنة" .. من قال
ان "الاوضاع" لم تتحسن .. نعم الاوضاع تتحسن .."للمتمردين" السنة طبعا !!

2007/11/15

كلاب وقطط وجرذان .. عن غابة تدعى عراق



It is haram to kill cats, but it is good to kill the Jaish al-Mahdi

هنا مفهوم ما بعد الحداثة للقتل .. المأساة العراقية تبلغ ذروتها .. والسؤال الشكسبيري في عراق اليوم قد تم تحويره : " تقتل او لا تكون ، هذا هو السؤال" .. عمار،"هاملت" العراقي، يصحو باحثا عن انتقام لـ "أمه" .. و"الحجية" شخصية تليق باحدى روايات دستويفسكي .. حفارة قبور ربما .. هنا "ابطال من زماننا" .. شخصيات مجتمع قتلته ثقافة الثأر .. نجدهم "بلحمهم و شحمهم" في مقالة لي اندرسون في النيويوركر .. عمار وكريم في هذه المقالة هما ايضا نموذج لجيل عصر العمامة .. ومسارهما يؤرخ لمسار سقوط شعارات المظلومية في وحل الجريمة .. وهما بعد هذا وذاك نموذج لصحوة اخرى في زمن الصحوات المتأخرة.. لم يفهموا في البداية معنى الجريمة.. اليوم وقد وقع فأس جيش المهدي على الرأس بدؤوا يعون حجم الجريمة .. من هنا مفهوم ما بعد الحداثة لمعيار القتل : قتل القطط حرام .. قتل جيش المهدي ليس حرام .. بل هو مستحب كما يقول عمار الشيعي .. لنا ان نتخيل مفهوم القتل عند الجيل القادم .. مفردة القطط هنا ذكرتني بجملة اخرى قرأتها في مقالة غيث عبد الاحد عن "فرسان العامرية" ونشرتها الغارديان قبل اربعة ايام .. وهي جملة لشيخ يصف فشل السياسة الأمريكية في العراق :

"It's like someone who brought cats to fight rats, found himself with too many cats and brought dogs to fight the cats. Now they need elephants

من قال ان العراق لم يصبح بعد غابة !! مقالة لي اندرسون ومقالة عبد الاحد هما الاهم من بين جميع ما نشر من مقالات في الاسابيع الاخيرة عن الوضع في العراق .. والقطط ليست المشترك الوحيد بينهما .. ما يثير الانتباه فيهما هو الحيز الذي يحتله الشيخ او كلام الشيخ في كِلاهما .. والمثير اكثر ان كلام الشيخ في مقالة عبد الأحد/ الغارديان لا يختلف كثيرا عن كلام الشيخ في مقالة لي اندرسون/ النيويوركر .. كلا الشيخان يعطي رؤيته لما يجري في العراق او لما سيجري ايضا .. كلاهما يمر على الفشل الامريكي في العراق ..كلاهما يشير الى فشل "الحكومة .. وكلاهما يطرح نفسه كبديل .. هل هي مصادفة !!

ينبغي قراءة مقالة غيث عبد الاحد الاخيرة كتتمة لمقالة اسبق عنوانها "الجهاد الان ضد الشيعة" نشرتها له الغارديان في بداية هذه السنة .. ونجد فيها اسباب انفصال بعض الفصائل السنية عن تنظيم القاعدة وتحالفها مع الامريكيين .. فمنذ حملات التهجير التي قام بها جيش المهدي للسنة في بغداد لم يعد اليانكي هو العدو بالنسبة لتلك الفصائل .. لقد توصلوا الى قناعة ان جيش المهدي في طريقه لاخلاء بغداد من السنة اذا ما استمروا في القتال على جبهتين : الامريكان والميليشيات الشيعية .. منذ ذلك الحين والمعركة مع المليشيات الشيعية هي المعركة الاهم عندهم .. مقالة عبد الاحد الاخيرة لاتضيف شيئا بهذا الخصوص عندما تتحدث عن خطط قائد "فرسان العامرية" الذي ينوي محاربة المليشيات الشيعية في حي الجهاد .. ما هو مهم في المقالة الاخيرة يكمن في كونها تعطي لمحة للصراع المتشرنق بين المكونات السنية المتعاونة مع الامريكان .. وهو هنا بين "الحزب الاسلامي" وبين "فرسان العامرية" ذوي الارتباطات العشائرية .. ففي طبيعة و نتيجة هذا الصراع سيتحدد حجم الدعم الذي سيحصل عليه الشيخ في الوسط السني .. وبالتالي مصير الصراع بين الشيخ و"القاعدة" وهو ما سيحدد جزء مهم من مصير العراق.

محاولات كسب الفصائل السنية بدأت منذ سنتين تقريبا .. وقد ترافق ذلك مع اقرار الامبراطورية التدريجي بعدة حقائق : عدم استطاعتها القضاء على المقاومة مما افشل" العملية السياسية" وبالتالي موتها السريري الحالي .. فشل محاولاتها للاتفاق مع الاجنحة الايرانية"المعتدلة" على تحديد قواعد للعمل اوللنفوذ الاقليمي .. مما وضعها في النهاية امام حقيقة لم تقبلها بسهولة وهي انها قد ارتكبت خطأ استراتيجيا فادحا في غزو العراق .. ذلك ان ايران هي الرابح الاكبر اقليميا من احتلال العراق .. وايران لا تريد التفريط بهذا المكسب الاستراتيجي .. مما يفرض اعادة للحسابات وجرد لبضاعة الوكلاء الصغار ومستحقاتهم .. من هنا محاولة الامبراطورية تصحيح مسار عجلتها في الداخل العراقي.

ادوات تقليم مخالب "القطط الفارسية" الجارحة قد تم وضعها الان على الطاولة .. و مثل هكذا استدارة في الداخل العراقي كما في الاقليم لابد من ان تسبقها وتهيئ لها استدارة اعلامية .. خطوات جنود الامبراطورية يصاحبها دائما قرع شديد ومركز ومستمر للطبول الاعلامية .. من هنا التحول الذي نراه في معالجة المشهد العراقي .. من هنا الحديث المتزايد عن فشل الحكومة الشيعية : جرائم واختلاسات الحكومة هو جزء من الغسيل القذر الذي بدأت تنشره الماكنة الاعلامية بكثرة في الاسابيع الاخيرة .. رغم انه قديم قدم الاحتلال .. وبالمقابل بدأ القارئ الأمريكي يسمع عن معاناة السنة : كيف يُمنعون من الدخول الى المستشفيات .. وكيف اذا دخلوا سهوا يشنق مرضاهم بالانابيب البلاستيكية المعدة طبيا لتغذيتهم تقطيرا .. وكيف تحولت "وزارة الصحة" الى وزارة موت .. وكيف يقتلون ويهجرون من احيائهم على ايدي جيش المهدي المسنود من قبل اجهزة الحكومة :

"It's just a slow, somewhat government-supported sectarian cleansing," said Maj. Eric Timmerman, the battalion's operations officer.

هذا التركيز الغير مسبوق في الصحافة الامريكية الواسعة الانتشار على فشل وفساد الحكومة الشيعية وعلى جرائم مليشياتها بحق السنة ليس من قبيل الاهتمام الانساني .. من يصدق دموع التماسيح .. والمساحة الصحفية الواسعة التي تكرس للشيخ .. ليس من باب الضيافة المجانية .. وانما هي موسيقى طالما عزفتها اوركسترا الامبراطورية الاعلامية .. وهي هنا قد ادخلت الربابة ضمن الجوقة تحية للكوفية التي ترافق الاستدارة .. فالشيخ اليوم هو الورقة الاثمن في يد الامريكي المنهك في العراق .. و لا بد من "اكرام" الشيخ امام ابناء عشيرته وطائفته املا في تكوين قاعدة شعبية اكبر للشيخ .. تحسبا لما يمكن ان يضطلع به من دور سياسي مستقبلا.

ما اشبه اليوم بالبارحة .. العم سام يتبع اليوم سياسة العم ابو ناجي مع بعض التحوير .. الشيخ والبنادق كانت وسيلة بريطانيا في النصف الاول من القرن العراقي الماضي .. وهي قد نجحت بكبح جماح فيصل الاول وطموحه في دولة قوية حين عملت كل ما في وسعها من اجل تقنين سلاح وعدد افراد الجيش العراقي انذاك والمراوغة بخصوص قانون التجنيد الالزامي .. من هنا مقولة الملك فيصل الاول المشهورة : "في هذه المملكة هناك اكثر من مئة الف بندقية في حين اننا كحكومة لانملك اكثر من 15 الف بندقية" .. وفيصل الاول كان يعرف ان" الدولة بنادق" .. وان الاستقلال بنادق .. وبنادق بعض التحالفات العشائرية الكبيرة كانت اكثر من بنادق الدولة انذاك كما يقول حنا بطاطو:

Under such circumstances the English could always use one group or other of the big tribal chiefs to check any possible deviation by the king from the line upon which they had their will fixed. When, for instance, in 1922 Faisal took upon himself to work for the defeat of the British “mandatory” scheme for Iraq, Shaikh ‘Addai aj-Jaryan of Albu Sultan and fifteen other shaikhs from the Hillah Shatt strongly protested in a telegram to the high commissioner their “support for this useful scheme without which the ‘Iraq and her sons cannot achieve progress. The sheikhs of Bani Rabï’ah, for their part made known that they viewed “with sincere horror the possible withdrawal of British supervision. More than that, Shaikh ‘Ali Sulaiman of the Dulaim and forty other tribal chiefs, in an audience with Faisal, unabashedly reminded him that “they had –sworn allegiance to him on condition that he accepted British guidance. “ Batatu, The old social classes, p. 134

في ذلك الوقت نقل الانكليز علي السليمان بطائرة من بغداد الى الرمادي كرسالة رمزية لأبناء عشيرته تدليلا على مقامه ومكانته عندهم واعلاء لهيبته وبالتالي لسلطته النافعة لسياستهم .. في زمن كانت الطائرة اعجوبة من عجائب العالم حتى للبريطاني العادي .. سماء الرمادي استقبلت طائرة "عجيبة" اخرى قبل اسابيع .. هل هي مصادفة !!! هبوط طائرة جورج بوش وكبار معاونيه في الرمادي قبل اسابيع لِلقاء ابو ريشة في ديرته ارسلت نفس الرسالة الرمزية .. والانثروبولوجيا قد جندت اليوم علنا .. هبوط "الاير فورس وان" على مقربة من "خيمة" الشيخ تشرح اهمية الشيخ الاستراتيجية في نظر الامبراطورية اليوم.

ملاحظة حنا بطاطو تذكرنا بشيء مهم وهو ان الشيخ كان العنصر الاهم في مساعدة بريطانيا في فرض سياسيتها وشروطها انذاك .. امريكا تحاول اليوم ان تفعل نفس الشيء .. ففي مجتمع ينوح ويلطم "علمانيوه" على فرس ماتت عطشى قبل اكثر من الف وثلاثمئة عام لم يعد هناك فيه الا منظومتين ذات فعالية : الجامع والعشيرة .. امريكا قد اعتمدت حتى الان على العمامة وبالنتيجة التي نعرف .. هي اليوم تستعين ببنادق الشيخ.


"The history of the shaikhs, as traced thus far, reveals that powerful sheikhs were a concomitance of weak cities; and that, inversely, the growth of cities involved the political decline of the sheikhs." Batatu, The old social classes, p. 78

هذا ما يقوله حنا بطاطو ومن منظور سوسيولوجي تاريخي بخصوص العلاقة الجدلية بين الشيخ والمدينة .. ضعف المدينة قوة للشيخ وقوة المدينة ضعف للشيخ .. كُثر هم ابناء المدينة اليوم ممن يعيدون اكتشاف نسب عشائري ضائع املا بحماية وسط غابة البنادق التي لا ترحم .. المهجر هو السبيل الوحيد لمن لايعترف بخيمة او بجامع او حسينية .. ولفريد ثيزيغر في كتابه عن عرب الاهوار يعطينا الوجه الاخر من المسار الجدلي بين الشيخ والمدينة ،حيث يصف لنا بشكل رائع ظروف الهجرات الجنوبية من الارياف الى المدينة في خمسينات القرن العراقي الماضي .. نمو المدينة انذاك سهل الفرار من قسوة وسياط الشيخ .. مسكينة هي بغداد ومسكينة هي البصرة .. قتلتهما كثرة الرعاع .. المدينة العراقية شوهتها "تقدميات" الارياف التي نهض بها انصاف المتعلمين الذين خرجتهم مدارس العراق وجامعاته بالجملة .. وهذه الفئة من الناحية السوسيولوجية البحتة هم حطب المجتمعات الغير مستقرة .. والمدينة اليوم يحكمها ويقتلها من "لبس" من هولاء العمامة في منتصف الطريق .. كثرة الجرذان تعلن نهاية الحضارة .. تعلن موت المدينة .. وعندما تموت المدينة يحيا الشيخ.

2007/10/28

"دار دور" الوطن .. تُرى هل اتاك حديث الوطن ؟


وانتم ماذا تريدون ؟ هذا السؤال كان يهيمن على كلماته.."انتم العراقيون ماذا تريدون.. الاحتلال قد فشل وهو سيذهب عاجلا ام اجلا .. ما انتم فاعلون بعراقكم ؟".. التقيته قبل يومين في امسية افتتاح عيادة "صديقي" طبيب الاطفال النفساني.. وهذا الطبيب كان احد المدعوين.. حين عرف بأنني من "بلد العجائب" اقترب مني وبدء النقاش.. برغماتية ونفور مؤدب امام كل كلام عن احتلال.. حسابات جيونفطية.. قواعد عسكرية دائمة.. لا شرعية.. تدخلات اقليمية.. لم نتفق كثيرا.. كل محاولاتي لشرح المعقد العراقي من خلال ربطه بتعقيدات الاقليم كانت تصطدم بسؤال: وانتم ماذا تريدون.. العراقيون ماذا يريدون؟

كيف تشرح لسويسري ما يجري عندنا.. بلد يقتل بتلك البشاعة وكل هذه العقود محيّر للناس.. بلد يهجّر ربع سكانة خلال عقد من الزمن يتحول الى احجية.. هو لا يستطيع ان يفهم كما الاجيال الاوربية الجديدة كيف "يعلس" شعب بعضه بعضا بهذه الطريقة البشعة.. كل ما قلته امام سؤاله المتكرر هو اننا استيقضنا قبل ثمانية عقود.. ومسار بناء الدولة عندنا حديث.. والتراكم البسيط الذي قامت به الاجيال العراقية السابقة قد دُمر لانه من انتاج "دولة طائفية" كما تقول الطائفة "الغير طائفية"!! وها نحن اليوم شيع وطوائف تذبح بعضها بعضا.. في نهاية حوارنا ابتعد نحو طاولة تحمل باناقة ما لذ وطاب.. قضم قطعة "محرمة" بعد ان اخذ جرعة من كأسه وعاد قائلا برمزية ضاحكة "لو كنتم تريدون هذا لما وصلتم الى ما وصلتم اليه".. يريد ان يقول لو كنتم تريدون الحياة.

انتم العراقيون ماذا تريدون؟ سؤال كنت اقرأ تنويعاته في الصحف الامريكية على لسان بعض المسؤولين الأمريكيين من دون اهتمام.. ربما لانني كنت امقت طريقتهم المستنكفة المستحقرة في طرح السؤال.. هم الذين لم يستمعوا في البداية الا لسراق البنوك.. ولكنه اليوم يستوقفني.. عندما نفكر مليا بجملة "انتم العراقيون ماذا تريدون؟" .. نجدنا مضطرين بالاعتراف وبحكم واقع التشرذم الحالي لا بالخطابات "الاخوية" العالسة والمُغيبة لاسئلة الازمة.. نجدنا ملزمين بالاعتراف بأن هناك "عراق ولكن ليس هناك عراقيين".. جملة "عراق بلا عراقيين" هذه تبدو مفارقة مستفزة.. ولكنها تعبر عن واقع لا تستطيع مفردة "عراقيين" شرحه اليوم.. على ارض الواقع هناك سنة وشيعة.. ثم بعد ذلك جروحهم وثارات جروحهم.

"الاخ عراقي ؟ نعم .. تستاهل!!".. تقول النكتة المريرة.. طالما اننا نقتل بأسم احقاد القرون الوسطى فافترض اننا لا نستحق بعد كلمة "عراقيين".. لم نصبح بعد "شعب عراقي" بالمعنى الحديث لمفهوم الشعب او "الامة".. افهم هذا بشكل اوضح اليوم وبعد ان قرأت نص " ما هي الامة ؟".. لا اعتقد ان احدا يستطيع الكلام عن "الشعب" او عن الوطن كمفهوم سياسي حديث من دون المرور بخطاب " ما هي الامة؟ " لـ ارنست رينان (نستطيع ترجمة العنوان هنا بـ "ما هو الوطن؟" تلافيا لاسقاطات الخطاب الاسلاموي على مفردة "امة").. هذا الخطاب هو محاضرة القاها رينان في فرنسا التي خرجت مهزومة امام المانيا في حرب 1870 وكانت عاصمتها باريس مسرحا لحرب اهلية..النص الانكليزي هو ترجمة مختصرة للنص الفرنسي الاكثف.. اضع هنا اهم جملتين في هذا النص اخترتهما بما يتناسب مع مشكلة العراق مع التاريخ وعُقَد الماضي.

To have common glories in the past and to have a common will in the present; to have performed great deeds together, to wish to perform still more - these are the essential conditions for being a people.

"أن تكون هناك أمجاد مشتركة في الماضي وإرادة مشتركة في الحاضر، أن نكون قد صنعنا سوياً مآثر كبيرة، وأن نريد صنع المزيد منها، تلك هي الشروط الأساسية لتكوين شعب".. وهنا يقفز سؤال مهم : ماذا لو كان الماضي عامل فرقة كما هو الحال في العراق؟ .. فرنسا لم تخلوا من هذه المعضلة التاريخية وهنا تاتينا الجملة الاهم بنظري في حالة المجتمعات المتشظية :

For, the essential element of a nation is that all its individuals must have many things in common but it must also have forgotten many things. Every French citizen must have forgotten the night of St. Bartholemew and the massacres in the thirteenth century in the South

"جوهر الوطن يكمن في وجود الكثير من الأشياء المشتركة بين أفراده، وبأن سائر هؤلاء الأفراد قد نسوا العديد من الأشياء.. ينبغي على كل مواطن فرنسي أن يكون قد نسي مجزرة سان- برتلمي بحق البروتستانت والمجازر التي وقعت في الجنوب الفرنسي في القرن الثالث عشر" .

باختصار.."الامة" او الشعب كمفهوم سياسي هو فعل ارادي في هذا الطرح .. وبهذا المعنى يجب ان تكون هناك رغبة مشتركة بالعيش المشترك.. وبخلاف ذلك فليس هناك شعب.. ويجب على الشعب نسيان ثارات القرون الوسطى لكي يخلق سلمه الاجتماعي.. وبخلاف ذلك فليس هناك شعب بالمفهوم الريناني للكلمة.. وهوالمفهوم الذي شيد سلم فرنسا الداخلي وسلم الكثير من المجتمعات الاوربية لان خطاب رينان هذا قد اثر كثيرا في الفلسفة السياسية الاوربية.

تعال الان وقل لي كيف تبني وطننا وتجاذبات صريفة بني ساعدة قد عادت افقا لنخبنا الثقافية.. ثم تعال ارجوك وقل لي كيف تبني وطننا وذلك الاحمر المائل للسواد، اعني "ماركس ابو دشداشة، ما زال يسأل " هل ندم يزيد على قتل الحسين" !! كيف نفهم هذا "الديالكتيك" الاجتراري.. لماذا نلوم المسحوقين على انتظار "غودو" صاحب الزمان و"عالس المكان" وحُمر العراق على هذا المستوى من الضحالة الديالكتيكة.. هلامية "عراقيين" نجدها هنا في استحواذ الخطاب الاخروي الاسكاتولوجي على "النخب العلمانية" الشيعية التي افلست فكريا.. فبأي "عراق" ستؤمن!! عراق ابو عمر البغدادي ام عراق عبد العزيز الحكيم !!

اقول هذا ايضا وانا استحظر مقالة قرأتها قبل ايام "لجامعي" لطمي يعيش في احدى البلدان الاوربية.. وهو يُكفّر ساطع الحصري.. ولماذا ؟؟ لان "معلم العراق الاول" كان يضع في مكان بارز من مكتبته نُصْب نحتى لـلسويسري بيستالوزي .. وهذا اللطمي ينعت واضع "مبادىء القراءة الخلدونية" بفاقد للهوية لانه اتخذ هذا السويسري المؤسس لعلم التربية الحديث قدوة واهمل شخصيات تاريخنا.. صحيح لماذا لم يضع ساطع الحصري "صورة" عمر ابن الخطاب او ابو بكر.. او عثمان!! ولما لا صورة معاوية ابن ابي سفيان ابن حرب ابن امية!! او ليس الحصري سنيا !! غريب.. كيف نسينا هذا السؤال المهم!! في هذا السؤال المتضمن لاجابته نجد الفرق الاهم بين ذاك العراق"الافرنجي" وعراق "عمامة بلا حدود".. نجد فيه ما يفرق بين "طائفية الدولة السنية" وبين "طائفية الدولة الشيعية".. وهو ايضا واحد من اهم اسئلة العراق المعاصر الذي "علسته" ثقافة اللطم تحت شعار "الدولة السنية".. والشجرة تعرف من ثمارها.. ما لا يعرفه هذا اللطمي هو ان وفي نفس الفترة التي كان فيها الحصري يضع "دار، داران ، دور" مستندا الى نظرية بيستالوزي في التعليم كانت مطبعة النجف تطبع كتاب "السيف البتار على الكفار الذين يقولون المطر من البخار"!! تحية ابو خلدون.

التأزم اكبر بكثير مما تصورنا يا عراق.. كيف يمكن الحديث في هذه الحالة عن "شعب" وعن "عراقيين".. وكيف يمكن الحديث بعد ذلك عن وطن!! وهل نستغرب لماذا ما زال" بني امية" و"بني هاشم" يُمعنون قتلا فينا.. ولماذا ما زال
"ابناء البيوتات" يقتلون "اولاد الملحة"..اولاد الملحة الذين لايملكون لا ناقة ولا "بعير" في معارك الجمل.

لصاحبنا اللطمي الذي ينعم بسلم مجتمعات "الافرنجة" ويدافع عن "اصالة هوياتنا" القاتلة والمُبعثرة لمجتمع العراق نقول: اطلبوا العلم، وليس فقط اللجوء، حتى لو كان في "بلاد الافرنجة".. لان سلمهم الذي تحب شيده عِلمُهم الذي تمقت وتُكفّر.. ولـ "ماركس ابو دشداشة" والذي يتأهب لارتداء العمامة نقول: اما عَلِمت ان "الوطن يَجِبُّ ما قبله"، نقلا عن "صحيح" ارنست رينان !!  تُرى .. هل اتاك حديث الوطن!! اقول قولي هذا واستغفر العراق الذي يقتلون لي ولكم.

2007/10/14

عن عيدية اليتيم وخبز العباس وفرس النبي .. لماذا سكت ابو ذر !!


الشارع الشيعي بدأ برفع صوته اعتراضا على "انجازات" الشعارات الملتفة بالعمامة .. الشعارات لاتصمد امام الواقع .. هذه مسلمة سوسيولوجية .. الواقع فاضح للشعارات .. الشعاراليوم اخذ يقتل من رُفعت باسمه الشعارات .. ايمان امرأة شيعية قتلها ميليشياوي من جيش المهدي في الطوبجي ببغداد .. اقتص منها عماماتيا وامام طفلها بذريعة الدعارة لكي يستحوذ بعد ذلك على ريع بيتها .. اذا لا تستغرب حين تسمع ان هذا "الصنديد" العماماتي قد قام بعد ذلك بتوزيع "خبز العباس" على جميع بيوت الدربونة .. ولاتستغرب حين تسمع انه اعطى طفل ايمان اليتيم عيدية .. وانه قد زار شباك الحسين وطلب الشفاعة .. وانه قد مر على "السيد" ونفحه مما "رزق اللة" .. وان السيد قد بارك "ريعه" .. لا تستغرب فخلف الشعارات التي تقتل هناك دائما ريع يجنى .. الم يكن ريع بستان قريش (العراق) وراء معارك الجمل.

في نفس المقال يروي تاجر يسكن في حي اور عن ريع اخر يُجنى باسم "السيد" .. وعن تململ الحي من عصابات جيش المهدي ومن حكم الغوغاء الذي اشاعوا .. وهو بعد هذا وذاك غاضب .. لا بل غاضب جدا : الميليشياوي الذي كان فقيرا حتى الامس اصبح يقود مرسيدس .. ولكنني لم استوعب تماما قول هذا التاجر حين يقارن بين مرسيدس الفقير وفرس النبي !!

ترى .. هل غضب التاجر هنا لغة كودية خائفة من "تشوير" دريلات السادة .. فتراه يشير ملمحا الى "سادة" القوم "جناة" خُمس النفط المهرب .. اخبار دولة النزاهة المملوكية تقول لنا ان السرقات اصبحت مليارية .. والويل .. عفوا .. والدريل لمن لا يتعاون في تسهيل عمل المماليك الجدد .. ام ان غضبه ينصب على الفقير "الحاسم" للمرسيدس .. في هذه الحالة .. هل هو غضب منصب على فعل السرقة المجرد .. ام لكون السارق ميليشياوي .. ام لان السارق فقير قبل كل شيء ؟؟

يصعب في العادة ان تعرف ما يدور في رأس تاجر بازاري .. اظنه لم يغضب عندما تم "حسم" مؤسسات العراق .. اذا لنستبعد الاحتمال الاول .. واظنه لم يغضب حين تم تهجير جيرانه السنة من حي اور على يد المليشيات .. اذا لنستبعد الاحتمال الثاني ايضا .. اذا ما يغيض هذا التاجر هو ان فقير قد جنى "ريعه" .. وهذا تجاوز طبقي بالنسبة لتاجر .. كفر بالاصول والتقاليد البازارية .. فقير يقود مرسيدس .. أي اهانة لعلية القوم .. ولكن اليس هذا هو زمن الفقراء و"المستضعفين في الارض" كما قيل لهم .. الم يكن هذا هو "الوعد" .. الم تسرق وتنهب وتحرق مؤسسات ومستشفيات ومدارس العراق تحت شعار "محرومين" .. لم الغضب الان !!

لقد تم قتل وسرقة وتهجير السنة من حي اور وتم "حسمهم" عن بكرة ابيهم في احياء اخرى .. اذا من "المنطقي" جدا ان السرسرية والحرامية الذين هجروا وقتلوا السنة تحت شعار "منصورة يا شيعة حيدر" ، "يحسمون" اليوم ريعهم من "شيعة حيدر" .. قمة المنطق .. فقط ولاء ضيق لم يكن يرى ذلك المنطق العصاباتي يمتد كما السرطان في الجسد العراقي .. و"نخبة الطايفة" التي ينتمي اليها هذا التاجر لم تحرك ساكنا انذاك لان "المحسوم" كان من "الطايفة الظالمة".

وهكذا كان .. "حسم" المستضعفون وهم خير الحاسمين .. وبشّر "التقية" بالحاسمين .. "فرسان الطايفة" ما عادوا حماة الطايفة .. هم اليوم قتلتها وسراقها .. و"المستضعفون في الارض" اصبحوا مُعذِبين للارض .. مبتزين للارض .. ومختصين في ثقب الرؤوس !! هل تعرف الان لماذا صمت "ابو ذر" .. هو الذي كان يصرخ في ليل الحانات .. خلف مخيم اليرموك ..وبـ"العبرية" الفصحى .. عن اجتماع الفقراء ووعدهم القادم .. دعه يمر .. فـ "القدح" فارغ !!


When the Nazis came for the communists,
I remained silent;
I was not a communist.

When they locked up the social democrats,
I remained silent;
I was not a social democrat.

When they came for the trade unionists,
I did not speak out;
I was not a trade unionist.

When they came for the Jews,
I remained silent;
I wasn't a Jew.

When they came for me,
there was no one left to speak out.

Martin Niemöller

2007/10/01

تاريخ التاريخ العراقي المعاصر .. او صراع الروايات الخاصة




لقاء محرر شؤون الشرق الاوسط في الغارديان مع شارلز ترب يستحق القراءة .. تشارلز ترب هو مؤلف كتاب "تاريخ العراق" الصادر عام 2000 .. الشارع العراقي ومنذ السنة الاولى للاحتلال يعرف الجملة التي تضعها الغارديان هنا كعنوان للمقال : "لقد اطحتم بصدام وتركتمونا مع خمسين من مثله".. لسان حال العراقي اليوم يقول : دكتاتور متسلط واحد خير من خمسين على الرقبة .. هل يعلم تشارلز ترب ان الكثيرين في الداخل العراقي يحنون الى سطوة دكتاتور .. حتما .. جملة العنوان تقبل النقاش ولكنني ساركز على ما يبدو لي اهم .. يمكن ايجاز حجة ترب بثلاثة جمل مستقاة من نص الحوار.

"we were trying to say that there was a complex society in Iraq which shouldn't be reduced to the caricature of Saddam Hussein sitting upon the oppressed masses. The oppressed masses have their own agenda - and sometimes they're very nasty indeed."

"If you can't read a society like that, you're doomed, ….. You'll get it wholly wrong"

"There is a strong possibility that newly-won privileges will be entrenched and Iraqis will have good reason to fear subjection once more to a regime that equates power with force and dissent with treason."

احب ان انوه الى ان كلمات ترِب الاخيرة في حوار الغارديان هي ايضا الكلمات الاخيرة لخاتمة كتابه مع تغيّر مفردة واحد هنا
"Newly-won" replaces "existing"

عندما نعرف ذلك نجدنا مدفوعين بالقول "لا جديد تحت شمس" العراق المحرقة جدا .. بعد كل هذه الكوارث والحروب .. وبعد كل هذا القتل والتشريد والتهجير .. بعد كل عقود الحرمانات سنبحث عن دكتاتور للايجار .. ستعود السلطة مرادفا للقوة البطشية وستعود المعارضة بالرأي مرادفا للخيانة .. مرارة .. ولكن اليس افضل من فوضى القتلقراطية ؟؟ من يدري .. الاحتمال وارد .. ولكن احتمالات كثيرة اخرى واردة ليس ابعدها مشروع تقسيم العراق "غير الملزم" الذي اقرته مافيا الامبراطورية قبل ايام .

كيف ولماذا وصلنا الى هذه الحال .. سؤال الكيفية وسؤال السببية تم طرحمها في السابق على طاولة "السياسة" .. وتمت "معالجتهما" بطرق مبتسرة و مؤدلجة على يد تجار السياسة .. النتيجة اجابات جاهزة كالكونكريت الجاهز الذي خنق وشوه المدينة .. الاجابات الجاهزة اكثر تشويها حتى : طائفة مظلومة وطائفة ظالمة .. جلاد وضحية .. خير مطلق وشر مطلق .. الخ من ثنائيات عقلية الضحية الضدية .. وبالنتيجة التي نعرف : وهم كبير وجريمة اكبر .. ورغم كل هذا الفشل الذريع هناك من لازال متشبثا بالتصورات التي قتلت العراق .. يعتقدون ان قرأتهم للتاريخ العراقي هي القراءة الوحيدة .

المثقف اللطمي لايميز ما بين الذاكرة كـ "مروية " لمجموعة معينة تمت صياغتها داخل حقل الصراع على السلطة ومن اجل السلطة .. وبين التاريخ كجامع للروايات المتعددة ومفكك لها من اجل فهم اعمق للماضي .. تشارلز ترب بالذات هو الوحيد ربما ممن طرحوا مشكلة القراءات المتعددة والمتصارعة على التاريخ العراقي وبالتالي على السلطة في العراق .. وهنا قيمة كتابه .. وما اعطى ترب هذه الامكانية هو انه زود ادوات بحثة التاريخية بمكتسبات السوسيولجيا الحديثة .. ومن هنا فرادة طرحه .. وهذا يمكن ملاحظته حتى في عنوان كتابه حيث نجد كلمة تاريخ غير معرفة .. ليس التاريخ وانما تاريخ .. وهذة دلالة لغوية تعلن منهجية نقدية للتاريخ لمن "يحسن" القراءة .. للاسف نحن لانحسن القراءة .. اجترار الكليشات اسهل.

ما يهم المثقف لطميا هي اشياء اقل "تجريدية".. يكفي المثقف لطميا ان " اجاويد الطايفة" يحكمون .. هذة غاية المثقف اللطمي وابعد ما تصل اليه عقليته الضدية .. دكتاتور ام لا.. لايهم .. ديمقراطية ام "لطمقراطية" ..لايهم .. حاول ان تعترض على "العطايا الدريلية" التي "يوزعها " اجاويد الطايفة" ستجد نفسك طائفيا مع سبق الاصرار والترصد .. وكونك عراقي الهوى لن يشفع لك .. كونك ضد الخنادق الطائفية بكل اشكالها لن يشفع لك .. كونك علمانيا لن "يشفع" لك .. كونك معارضا للدكتاتور لن "يشفع" لك .. كونك "مشكل" طائفيا لن يشفع لك .. حتى كونك عراقي شيعي لن يشفع لك .. " الشفاعة" مفهوم "خندقي" في زمن "الحشر الطائفي" الذي نعيش وهذا كفيل بجعلك "ناصبيا" خلال خمس دقائق ونصف من "النقاش" اللطمي ..امام هكذا عمى وامام الاجابات الجاهزة لانملك الا زيادة مفردات السؤال .. كيف ولماذا والى متى ؟؟؟

ساختم مع هذا المقطع المقتطف من خاتمة كتاب تشارلز ترب

The population of Iraq is not condemned to repeat this history, since certain key players and factors will have changed significantly. However , those who are seeking to develop a new narrative for the history of Iraq must recognise the powerful legacies at work in the country if they do not want to succumb to their logic. - Ch. Trrip, A history of Iraq, p. 280


التاريخ العراقي .. صراع "الروايات" الخاصة .. او كيف تقتل الذاكرة المأزومة الوطن ..هذه هي قرأتي وباختصار شديد لتشارلز ترب .. ساعود في مناسبات اخرى لاتحدث عن ذاكرة الوطن المفقودة التي غيبها " تورم" الروايات الخاصة.

2007/09/17

عذرا صديقي .. في البدء لم نكن نخجل


“In the beginning it was a shame to say Sunni or Shiite ”

مقالة الـ نيويورك تايمز لهذا اليوم تتحدث عما وصلت اليه عملية "التنظيف الطائفي" بالاحرى "التوسيخ الطائفي" للاحياء .. واثار ذلك على "الروح" العراقية .. تستوقفني جملة في هذه المقالة وهي لهاشم : "في البداية كان من العيب ان تقول انك سني او شيعي" .. كم سمعنا هذه الجملة في السنوات الاخيرة .. كثيرون من العراقيين سيجدون انفسهم في تلك الجملة .. وخصوصا الثلث القريب من قلب العراق .. ثلث عوائل العراق متزاوج طائفيا حسب تقديرات الامم المتحدة .. كيف حصل اذا كل هذا القتل الطائفي على الهوية ؟ كيف حصل ان احياء كثيرة قد "وسخت" طائفيا ؟

"في البدء كان من المخجل ان تقول انك سني او شيعي" .. جملة اشكالية ..هذا الكلام لايصح من دون تأطير زمني .. عن أي "بداية" نتكلم هنا .. الان لم نعد نخجل بعد ان رُفعت مصاحف الطائفية .. ولكن منذ متى كان الخجل؟ ايام التطاحن الصفوي العثماني ايضا لم يكن من المخجل ان تصرح بمذهبك .. في بدايات القرن العشرين قبل وبعد تأسيس الدولة العراقية بقليل ايضا لم يكن من المخجل ان تقول انك سني او شيعي .. افق الناس كان محدودا بتلك التصورات .. الاسلام كالعادة كان عامل تفرقة بين العراقيين والزواج العبرطائفي كان ممنوعا اجتماعيا كما يقول حنا بطاطو :

Islam in Iraq was more a force of division than of integration. It split deeply Shi’i and Sunni Arabs. Socially they seldom mixed, and as a rule did not intermarry. In mixed cities they lived in separate quarters and led their own separate lives. (Batatu, the old social classes, p. 17

لا، لا .. في البدء لم نكن نخجل .. في البدء كان التشرذم واقع حال .. في البدء كان سجن "المِلّة" .. في البدء كانت خزعبلات "المُلا" .. في البدء كانت تجاذبات صريفة بني ساعدة ترن في الرؤوس الاسفنجية .. في البدء كان "غبار" معارك الجمل افقا للارواح الميتة .. في البدء كنا "طائفيون" .. "كلنا طائفيون" في البدء .. التاريخ العراقي "يتكلم" طائفي .. في البدء لم نكن نخجل من انتمائاتنا الطائفية .. كانت هناك حتى مناوشات متأخرة "على الجسر".


كيف حصل اذا ان ثلث العوائل العراقية متزاوجة طائفيا .. كيف حصل اننا في يوم ما كنا نخجل من التصريح بمذهبنا .. هنا بعض اهم اسئلة العراق المعاصر .. وكالعادة هي اسئلة مُغيبة في "الثقافة" العراقية التي تهيمن عليها دكتاتورية الشعرالمُضببة للرؤوس .. "الثقافة" العراقية كانت لها ، ولا تزال ، اسئلة اكثر الحاحا : جدلية الاجيال الشعرية ، سبعيني.. كلا ستيني.. بل ثمانيني !! عدم طرح وبالتالي عدم مناقشة مثل هذه الاسئلة المهمة ساهم في ترك بوابة التاريخ العراقي المعاصر مفتوحة امام عجلة "التوسيخ الطائفي" التي تديرها ثقافة اللطم ، مما ساهم تراكميا في ترسيخ عقليات الكُره المعتاشة على الكليشات والتي تسود اليوم.

اياك ان تبحث عن "مثقف" ظننته "علمانيا" فيما مضى للخوض معه في مثل هكذا اسئلة .. هو اليوم يصرخ بنفس الاجترار السابق للشعارات : "يا شيعة العراق اتحدوا" .. "الموت للامبريالية السنية" .. "فليسقط الاستغلال السني ودولته الطائفية الرجعية" .. "ماكو مؤامرة تصير، ودريلات موجودة" ( الحبال لم تعد تفي بالغرض!!) .. اياك ان تذكر له ان جده قد هرب ذات ليلة من "جنوب" تلسعه سياط الاقطاع المتحالف مع العمامة .. واياك ان تذكر له ان ابوه كان يريد تحويل مراقد "آل البيت" الى مراكز للشباب .. و اياك ثم اياك ان تقول له ان "الدين افيون الشعوب" .. فكل الطرق تؤدي الى "بغداد" .. عفوا .. كل "الايديولوجيات" تؤدي الى المناصب ..عقد النقص تفعل فعلها .. ثم ان المسافة ليست بعيدة بين "الثقافة الشيوعية الطحلبية" وبين ثقافة اللطم : ردحٌ، ثم قدحٌ، ثم لطمْ .. الثابت الوحيد هي الضحالة.

في البدء كنا نخجل ان نقول سني او شيعي .. صحيح .. كثير من "المُشكلين" طائفيا تم تربيتهم على عدم الخوض في خزعبلات قروسطوية .. وهذا دليل رقي اجتماعي يحسب لهم .. والكثير من العراقيين ممن راكمتهم عقود الخير كانوا لا يحبون الكلام عن المذهب ويعتبرون من يتكلم بذلك من المتخلفين .. هذا صحيح .. ولكنهم في الاغلب الاعم يعتبرون ذلك تحصيل حاصل .. مما ساهم في تضبيب الظروف التاريخية التي مكنت للتسامح الطائفي .. العراق لم يكن دائما على هذا المستوى من التسامح .. هذا التسامح كان له شروط مُمَكِنة كثيرة : اقتصادية وتعليمية الخ .. وقبل هذا وذاك "دولة علمانية" .. كل من قاموا على الدولة العراقية الحديثة احتفظوا بهذا المبدأ .. كانوا يعرفون جيدا ان الدين وصفة لخراب العراق .. كل يوم من التصحّر الطائفي يمر على العراق سنعي ذلك اكثر فأكثر.

اتذكر الان كلمات للملك فيصل الاول قالها في مذكرة وزعت على المقربين منه قبل وفاته .. وهي عن حال المجتمع العراقي انذاك .. ساضع هنا ما ينقله حنا بطاطو من هذة المذكرة الوصية :

There is still - and I say this with a heart full of sorrow – no Iraqi people but unimaginable masses of human beings, devoid of any patriotic idea, imbued with religious traditions and absurdities, connected by no comment tie, giving ear to evil, prone to anarchy, and perpetually ready to rise against any government whatever. Out of these masses we want to fashion a people which we would train, educate, and refine …. The circumstances, being what they are, the immenseness of the efforts needed for this can be imagined. (Batatu, the old social classes, p. 25-26

هكذا كنا في البدء .. الثقافة الثملة بسبعة الاف عام حضارة سيزعجها هذا الوصف الواقعي لا الاسطوري للتاريخ .. وهو وصف سياسي محنك ظلمه التاريخ العراقي لأنه كالعادة تاريخ كُتب بمنظور الاسود والابيض السائد في الثقافة العراقية .. كل عقد قحط يمر على العراق سيعطي هذا الرجل قيمته .. للملك فيصل الاول ان يفخر انه ساهم في اعطاء العراق افضل منجزاته المعاصرة ، انجازه الحضاري الارفع : ففي يوم ما وذات دولة تنعتها ثقافة اللطم بالطائفية .. كنا "نستحي" من التصريح بمذهبنا !!

2007/08/30

في حدود الكذب


غوبلز وزير اعلام هتلر قال ذات "فاشية" : اكذب، اكذب حتى يصدقك الناس .. ما لم يضعه غوبلز في الاعتبار هو العامل الزمني : الى متى الكذب؟ .. واذا اردنا الانصاف فالكل يكذب .. من ديمقراطية العم سام الى اوتوقراطية "الحاج حسنيين" .. ولكن للكذب تقاليد وطرق تمرير واساليب ولغة كودية دقيقة .. وهذا ما فات البيان الصادر عن مكتب "رئيس عرفاء" المنطقة الخضراء تعليقا على احداث كربلاء حين اعلن بأن "عصابات اجرامية مسلحة خارجة عن القانون ومن بقايا النظام الصدامي المقبور قامت باستهداف الزوار الذين حضروا الى مدينة كربلاء" .. أي شجاعة في الكذب.

لا ،لا ..المالكي ليس بهذا المستوى من الغباء .. هو يعرف جيدا انه ليس هناك من احد في الخارج يصدق كلمة مما يقول .. ولكنه ببيانه هذا يكذب على مريديه او ممن لا زالوا على "العهد الطائفي" الذي قتل العراق .. قد يقول قائل "هل لازال هناك في داخل القحط العراقي ممن يصدق كذب بهذا المستوى من الرداءة .. والجواب : نعم كثيرون .. وان كانوا اقل عددا وحجة بعد اربع سنوات ونصف من حكم الحثالات.

ما حدث في كربلاء بالامس ليس بالحدث العابر على الاقل من الناحية الرمزية .. صحيح ان مثل تلك الصدامات بين المليشيات تحدث كل يوم ومنذ فترة طويلة في كل محافظات الجنوب العراقي وخصوصا في البصرة .. ما يختلف في احداث الامس هو المكان والتوقيت .. يقال ان الاطار هو ما يعطي اللوحة قيمتها .. وفي السياسة غالبا ما يكون مكان وتوقيت حدث ما اهم رمزيا بكثير من الحدث ذاته .. من هنا اهمية " العراك" اما ضريح الحسين .. ومن هنا هرولة الكذبة المالكية وضحالتها.

اكثر ما يقوض اجندات رافعي "مصاحف الطائفية" هي مثل تلك المواجهات الشيعية الشيعية .. فما بالك بهذا التوقيت والمكان المفعم بالرمزية .. فمثل تلك المواجهات تفتت اهم ما في جعبتهم من برامج : عقلية الضحية المنتجة للضدية .. ضد من سترفع شعارات المظلومية بعد الان و"رعاة المظلومين" يرتدون لباس القتلة وينشرون الفوضى بين المسحوقين بعد ان كانوا يوزعون عليهم الهريسة فيما مضى .. ضد من ستقرع اجراس الحقد الطائفي ومن سيصغي اليها وابناء "بيوتات" الطائفة يرشقون اضرحة "آل البيت" بالرصاص ويقتلون زواره .. بالامس كان هذا الدور من نصيب صدام ، يزيد العصر الحديث في ثقافة اللطم .. عراك احفاد البيوتات الدينية من آل الحكيم و الصدر امام ضريح الحسين ساهم في رفع اخر اوراق التوت عن عوراتهم .. وهذا تقويض لكل ما شيده رافعي "مصاحف الطائفية" .. وهذا سبب الهرولة الاعلامية التي تستخدم الفزاعة الصدامية.

ولكن للكذب حدود .. واذا لم تراعى تلك القاعدة فأنه سينقلب على صاحبه .. وكل كذبة من نوع الكذب الذي يصدرعن مكتب "رئيس العرفاء" ستساهم في تقليص عدد المخدرين بعقار الطائفية الذي يقتل الجسد العراقي .. وبهذا المعنى فكل كذبة بهذا الحجم تصدر عن تلك الحثالات هي خدمة للعراق الغير طائفي .. هذا الكذب المحتقر لذكاء الناس سيساهم في وضعهم يوما بعد اخر في مصاف مستخدمي اللغة الخشبية التي خبرها العراقيون .. والفزاعة الصدامية قد تستخدم وتنجح لبعض الوقت ولكنها غير قابلة للاستخدام والنجاح طوال الوقت .. هذا ما لم يقله غوبلز.

يقال ان السيستاني قال قبل ايام قولة علي بن ابي طالب " لقد ملئتم قلبي قيحا " بحق الحثالات .. هذه هي ديمقراطية الفتوى .. جريمة قتل العراق يتم غسلها بمقولات تاريخية مجترة .. لقد ملئتم قلب العراق بسم الطائفية وليس فقط بقيح الحثالات .. هل من يُذكّر السيستاني بانه هو من اصر على اقامة الانتخابات في "مجتمع" تقوده حثالات .. هل من يقول لهذا "السيد" ان فتواه هي من ساهمت بصعود تلك الحثالات .. والاخطر من ذلك ان فتواه هي من اسست للطائفية الشمولية التي ستقتل العراق للعقود القادمة .. وهل من يقترب اخيرا من أذن "السيد" ليهمس له بأن مسؤوليته في كل ذلك كبيرة.
 

2007/08/16

ثقافة الخوف و الولاءات الضيقة


اعتقد ان الواشنطن بوست تطرح هنا موضوع مهم جدا لفهم الكيفية التي يتم فيها العمل السياسي في العراق وبالتالي لواحده من اهم مشاكلنا السياسية .. مقالة البوست تقول ان المالكي ومقربيه من حزب الدعوة يمارسون السياسة اليوم بالطريقة التي كانوا يعملون بها عندما كانوا حزبا سريا .. وهنا تحبس انفاسك وتقول مع نفسك : اخيرا ستخرج الصحافة الامريكية من كليشاتها عن المجتمع العراقي .. اخيرا سنحصل على طرح معقد لمشاكل مجتمع معقد .. ولكن الواشنطن بوست تطرح الموضوع وتحصر رؤيتها بعد ذلك داخل انصاف الحقائق .. تقول البوست هناك اسباب كثيرة للركود السياسي في العراق بعد خمس سنوات حرب (احتلال). اهمها هو ان ساسة العراق الجدد اكثر ولاء لطائفتهم ،لعشائرهم ، لمناطقهم من ولاءهم للوطن .. وهي تربط ذلك بثقافة الخوف الموروثة من فترة صدام التي لازالت سائدة.

الواشنطن بوست تستعين بعد ذلك بواحد ممن كرستهم الدعاية الامريكية خبراء للشأن العراقي وبالثمن الذي نعرف.. نعم الواشنطن بوست تستعين بـ احمد الجلبي خبيرا يبين لها خفايا المطبخ السياسي الجديد .. لا بأس هو "شاهد من اهلها" .. احمد الجلبي يقول للواشنطن بوست :" ان المقربين من المالكي يخشون اصدقائهم اكثر مما يخشون اعدائهم (احمد الجلبي يشير هنا الى نفسه كصديق بالطائفة) وانه لايمكن فصل هولاء عن خلفياتهم. فمعضمهم قد تعودوا على اساليب العمل السياسي السري".

هناك نقطتان أساسيتان في المقال ساركز عليهما : الاولى هو ان الولاءات الضيقة (حزبية ، عشائرية، مناطقية، طائفية) ما زالت سائدة في الوسط السياسي العراقي .. وهذه مسلمة مقبولة امس كما اليوم ..النقطة الثانية هو محاولة شرح لهذه الاستمرارية في الولاءات الضيقة : خلفية الساسة الجدد في العمل السري بالامس جعلتهم يلجئون الى السرية في السياسة اليوم .. وفي محاولة الشرح هذه يتم تمرير ثقافة الخوف الموروثة من نظام صدام كسببية لسلوكية الورثة .

الملفت للنظر ان الاعتماد على الولاءات الضيقة في الماضي لم يكن يحظى بمثل هكذا محاولة فهم من الاعلام الامريكي .. الولاءات الضيقة في الماضي كان ينظر اليها كخطيئة صدامية .. اليوم الولاءات الضيقة تصبح مبررة بمنطق التاريخ والتجربة السابقة .. لابأس .. لا اعتراض على كل محاولة فهم تاريخية تخلصنا من خطب وخطابات الكره واللطم والقتل .. ولكن الاعتراض على القراءات المبتسره للتاريخ .. الاعتراض على التوظيف السياسي للتاريخ والذي غالبا ما ينتج قراءات مسطحة للواقع تنتهي بقتل الواقع .. العراق قُتل ايضا بتصورات مبتسره استندت الى قراءات سياسية مؤدلجة سواء من قبل الامبراطورية او من قبل مثقفي ثقافة اللطم.

اعتقد ان ربط استمرارية الولاءات الضيقة بالطبيعة السرية للعمل السياسي وتحميل ثقافة الخوف الموروثة من عصر صدام مسؤولية ذلك هو محاولة لخلط الاوراق وبالتالي تشويه للحقيقة التاريخية .. مشاكل العراق لم تبدء مع صدام وهي حتما لن تنتهي معه وخصوصا مع هذا العمى في الطرح .. سأضع هنا مقطع من مقال قديم لباحثة متخصصة في شؤون العراق:

A gradual increase in localism and tendency for factions based on sectionalism to develop. …. A reason for this situation lies in the political instability in Baghdad and the conspiratorial nature of politics. In these circumstances, a premium is placed on mutual confidence. Those who can be trusted frequently to be relatives, or friends from the same town whom one has known from early school days.

هذا الكلام مقتطف من مقالة عنوانها إشكالية القيادة في العراق وهو دراسة للقيادات العراقية من سنة 1948 الى 1968 ونشرته الباحثة فيب مار في الميدل ايست جورنال عام 1970 .. نعم 1970.. اذا .. ثقافة الخوف لم ينتجها صدام ..هو كان احد منتجاتها وأنتجها بدوره .. ثقافة الخوف هي محصلة عدم استقرار داخلي مزمن تتساقط فيه العروش و الرؤوس بكثرة .. و سبب هذا اللااستقرار هي الانقلابات المدعومة من الاقليم ومن الدول الكبرى .. الانقلاب والانقلاب المضاد هي اشياء عرفها بلدنا ومن يعرفون خبايا السياسة في منطقتنا يعلمون جيدا ان الدعم الاقليمي او الدولي كان وراء كل حركة انقلاب .. وما فشل من هذه الانقلابات اكثر مما نجح .


 داخل هذا الجو المشحون نشأ الخوف والشك والحيطة والحذر وبالتالي الابعادات والتخوين والتصفيات .. في مثل تلك الظروف وفي مجتمع صدعي لم يمنح له الوقت والتراكم المجتمعي والثقافي والتعليمي لكي يراكم مؤسسات مدنية .. مجتمع كان حتى الامس يعيش وفق تنظيماته الاولية .. يصبح اللجوء للولاءت الضيقة حتمية ..إلا إذا أراد السياسي ان يفقد رأسه بعد اسبوع من الحكم .. اذا من انتج ثقافة الخوف هي هشاشة مجتمعية تتخبط وسط اقليم مضطرب .. والخلل هنا بنيوي قبل ان يكون ثقافي وهذا لايلغي دور الثقافة بمعناها الاكتسابي التاريخي لا البيولوجي الازلي .. هذا ما لاتقوله التحليلات الثقافوية التي تلتذ بالتأكيد على العامل الثقافي .. انصاف المتعلمين عندنا ايضا يلجئون لهذا التعليل لانه مريح فكريا .. مقولة اصحاب الشقاق والنفاق متداولة بين انصاف المتعلمين .. والمجترين للكليشات يصرخون بها كلما ارادوا التغطية على كسلهم الفكري.

كل محاولة فهم لا تطرح هذا الاطار العام الذي يتم فيه العمل السياسي في العراق لن تذهب ابعد مما ذهبت اليه الواشنطن بوست واغلب تحليلات الفهلوية والحكواتية من "خبراء الشأن العراقي" .. كل نشاط سياسي في مثل تلك الظروف سوف يتم داخل منظومة الولاءات الضيقة .. كل سياسي يعمل على الارض وليس امام كومبيوتر سيواجه بسؤال رأسه ومتى سيقع .. وتجار السياسة اليوم يعرفون ذلك .. الان يعرفون ان للحكم في بلد صدعي احكامه وسلوكياته .. وان الانتماء الطائفي لايعفي صاحبه من الشك والريبة .. هم الذين فسروا كل شيء في تاريخ الدولة العراقية الحديثة من منظور طائفي .. السلطة تمر ايضا بالصراع بين ابناء الطائفة الواحدة .. والسلطة قد تقتضي استبعاد ابناء الطائفة الواحدة .. والسلطة تقتضي تصفية خصومنا على السلطة وان كانوا من ابناء الطائفة الواحدة .. والسلطة وان دامت في مثل تلك الظروف فهي لن تدوم من دون روابط أولية تصغر تدريجيا حتى تصل الى حلقة صغيرة جدا ..احمد الجلبي يعي هذا الان .. نعم .. احمد الجلبي يعرف الآن ان انتماءه الطائفي لن يؤهله للدخول الى مركز السلطة الضيق.. وهو سيظل محط شكوك "أصدقائه" في الطائفة .. الان يعرفون.. الواقع مقبرة للشعارات.



Phebe Ann Marr, Iraq leadership dilemma : a study in leadership trends, 1948 – 1968, Middle
East Journal (1970), 2: pp.283- 301

2007/07/29

في مديح الناعور والسنابل



"كاتب جيد، يستحق القراءة" .. قال لي " ش" عندما ناولني الصفحة الثقافية لجريدة عراقية .. كنت طالبا في الإعدادية آنذاك .. وكنت أثق بذوق "ش" .. بعد ذلك تابعت مقالات مدني صالح في الصحافة .. لغة بارعة تليق بأستاذ الفلسفة في جامعة بغداد .. وأسلوب يخرج عن مألوف الحشو الذي كان سائدا في "الوسط الثقافي" آنذاك .. قلة كانوا بمستوى مدني صالح .. لغة وموقف .. كان يصرخ بما استطاع في حين كان الآخرون يطبّلون .. كثيرون ممن كانوا يسودون الجرائد بلغة التملق آنذاك ، "يلطمون" اليوم في الجرائد .."الوسط الثقافي" العراقي ارتزاق .. و"مثقفيه" بالنتيجة مرتزقة .. من هنا التفافات وانقلابات الأقلام .. ومن هنا الضحالة.

مدني صالح توفي في الأسبوع الماضي في عراق يموت كل يوم .. رحيل مدني صالح ذكرني بقوة بـ "ش" .. كان يدرس المسرح في أكاديمية الفنون الجميلة .. بضعة مرات رافقته لحضور عروض مسرحية هناك .. اغلب مسرحياتهم تنتمي للمسرح التجريبي .. تلك كانت أول علاقتي بهذا النوع من المسرح ولم يكن سهلا تذوقه في ذلك العمر .. العروض "المسائية" في أكاديمية الفنون الجميلة كانت متعة من طراز خاص .. ليس بفضل المسرحيات .. ولكن بفضل "ديكور" تلك الأمسيات .. حديقة الأكاديمية في النهار رائعة .. ولكنها بقعة ساحرة في المساء .. إضاءة خافتة .. تماثيل نحتية تبدو أكثر حضورا رغم عتمة تفاصيلها .. أشجار الرارنج "نائمة" في هدوء المساء .. وشوارع الوزيرية في الليل خرافة .. كثيرا ما كان طريق العودة على الأقدام .. شوارع بلا نهاية .. ونقاشات طويلة.

أرى الآن هيئة "ش" .. أناقة بلا تكلف .. غالبا ما كان يأتي متأبطا كتاب او مجلة نشرت له تخطيطا او ضحكة .. علبة اقلام "الروترنك" لاتفارقه .. ما كان يميزه هو سخريته الهادئة .. ترى هل لهذا السبب أحبَ أسلوب مدني صالح ؟ اعتقد .. مدني كان يتكلم بالنيابة عن تلك الأرواح العراقية الرائعة التي راكمتها عقود الخير .. سنابل تقدس الأرض ، تعشق النهر و تحترم النواعير .. مدني صالح كان ناعورا عراقيا .

2007/07/18

اللعبة الكبرى .. لاعبون كبار وضحايا صغار

كنت اتحدث اليوم مع صديق عربي عن نزيف الاوطان في مشرقنا .. هو وبمرارة يضع اللوم الاكبرعلى حكامنا .. انا في السابق كنت احمل نفس مرارته تجاه الحكام واحمّل الجانب المحلي من ثقافة وحكام الخ. المسؤولية الاكبر.. ما عدت افعل .. وهذا لا يعني ان الحكام لا يتحملون حصتهم من المسؤولية .. انا شخصيا وخصوصا بعد كارثة العراق اعتقد ان المسـألة اعقد بكثير وهي تتجاوز مسؤولية الاشخاص .. واي محاولة فهم لابد ان تستحضر المسار التاريخي لدولنا الحديثة العهد والهشة .. المسالة ليست ان اقول رأيّ بصورة مجردة عن أفضلية الأنظمة او الايديولوجيات .. ما اروع ان تكون الأمور بالرغبات والتمنيات .. ماذا لو قام هذا البلد بتلك الإصلاحات السياسية .. اه لو فعل الحاكم الفلاني كذا وكذا .. ولكن على ارض الواقع الأمور أكثر تعقيدا من ذلك .. اعتقد ان كل حديث من هذا النوع يغيّب شيئا مهما وهو شروط إمكانية تحقيق تلك الاصلاحات ، القيم ، ،الديمقراطية ، الدولة الخ من الامنيات المشروعة .. لكل شيء شروط امكانية من دون توفيرها ستتحول الرغبات والامنيات الى كوارث .. العراق مثالا .. من اجل ان تنتج مجتمعا متصالح مع ذاته يجب ان توفر كم هائل من الامكانيات والظروف من دونها ستنتج مجتمع عقارب يأكل بعضه بعضا .. واول تلك الشروط هو الامن بمعناه الشمولي .. وهذا غير متوفر لنا .

قبل اسابيع قرأت كتاب "الحرب والسلام في الشرق الاوسط" لـ هنري لورنس، استاذ التاريخ العربي المعاصر في الـ "كوليج دو فرانس" .. قمة الهرم الاكاديمي الفرنسي .. الكتاب ومن خلال عرض تاريخي يناقش "اللعبة الكبرى" في المشرق العربي .. فحوى اللعبة الكبرى ، بحسب هنري لورنس، هو التلاعب بالاخر : بما ان الدول العظمى قد اصبحت متوازنة في القوة .. وبما ان كل مواجهة مباشرة بينها ستؤدي الى صراع شامل مكلف لها .. لذلك فهي قد استبدلت طريقة المواجهة المباشرة بسياسة مد النفوذ التي لاتكلفها كثيرا وتعطي نفس المنافع الاستراتيجية والسياسية ( ص.7 ).

مثال من اللعبة الكبرى : التمرد الكردي في شمال العراق .. في العهد الملكي كان العراق مرتبطا بالغرب .. لذلك نجد ان الاتحاد السوفيتي يدعم التمرد الكردي من اجل اضعاف العراق لانه حليف الغرب ( ص. 154) .. عندما تسقط الملكية في العراق وتقوم انظمة قريبة ايديولوجيا من الاتحاد السوفيتي نحصل على توزيع ادوار مختلف رغم ثبات جوهر اللعبة .. الضغط على الاخر من خلال تأجيج مشاكلة الداخلية .. ففي حرب تشرين 1973 لم يستطع العراق تحريك جزء من جيشه لمساندة سوريا الا بعد ان ضمن تحذير الاتحاد السوفيتي لايران من عدم استغلال هذا الظرف للتدخل في العراق الذي قلل من قطعاته على الحدود الايرانية (ص. 291) .. ولكن تدخل العراق في الحرب ضد اسرائيل ليس من مصلحة هذه الاخيرة وراعيتها امريكا .. لذلك يقوم كيسنجر باعطاء الضوء الاخضر لـلـ "سي آي أي" وبالتعاون مع ايران الشاه على اشعال التمرد الكردي في شمال العراق لكي يجبر العراق على توجيه جيشه الى جبهة اخرى (ص. 299 ).

يقول لورنس ان القوى المحلية قد فهمت بشكل جيد تلك المعطيات الجديدة وباتت تستخدم بدورها ميكانزمات اللعبة الكبرى من اجل تحقيق اهدافها الخاصة مستندة في ذلك على المنافسة القائمة بين القوى الاجنبية الكبرى (ص. 7 ) مما يعقد اللعبة ويساعد في عدم الاستقرار المزمن لبعض المواقع الهشة .. لبنان المثال الاكثر وضوحا .. العراق اليوم اصبح مثالا اوضح وساحة للقوى الاقليمية تصفي حساباتها فيما بينها او مع الامبراطورية .. ما يجري في فلسطين بين فتح وحماس هو ايضا مثال ساطع عن قوانين اللعبة الكبرى .. لنتذكر ان الشعوب هي "عملة" غير قابلة للصرف في بورصة اللعبة الكبرى .. برميل نفط اغلى بكثير من رأس عراقي او عربي .. لان "العرب لايصوتون في الولايات المتحدة" كما قال الرئيس الامريكي ترومان ذات يوم لبعض الدبلوماسيين الامريكيين ( ص. 73) .. وقتها اراد ترومان ان يشير ضمنيا الى قوة تأثير اللوبي اليهودي في الانتخابات الامريكية.

يقول لورنس ان المشرق العربي هو مركز الثقل في الشرق الاوسط بسبب الصراع العربي الاسرائيلي .. وان هذا الصراع هو من هيكل الانظمة العربية المعاصرة و بهذا المعنى فان تلك الانظمة هي نتاج اللعبة الكبرى .. ولو لم يقم المشروع الصهيوني ، كان من المحتمل ان تكون الحياة السياسية في المشرق العربي اقل عنفا واكثر استقرارا وما كانت الانظمة السياسية لتصل الى هذا الحد من التسلطية (ص.9 ) يرى لورنس ان الصراع مع اسرائيل قد انتج دولة عسكرية وحكومات عسكر .. وان الانزلاق نحو العسكرة ياتي اولا من اضطرار تلك المجتمعات من الصرف على جيوشها لمواجهة تهديد التوسعية الاسرائيلية .. ومن هنا التناقض المدمر بين الصرف الكبير على الجيوش وضعف الاستشمار في مجالات اخرى .. علما ان سكان تلك المجتمعات قد تضاعف عددها (ص. 464 ).


لورنس لايلغي دور العوامل الداخلية في المساهمة في المشاكل التي تعيشها مجتمعاتنا .. العوامل الداخلية موجودة في طرحه .. هناك امثلة كثيرة عن تنافس وتناحر اللاعبين الصغار فيما بينهم .. ولكنه يعتقد انهم يتحركون داخل حقل اللعبة الكبرى ويحتكمون لقواعدها .. وهم في اغلب الاحيان لايقومون سوى بردود افعال وخصوصا في حروبهم مع اسرائيل باستثناء حرب 1973 (ص. 465 ).

لورنس يذكر ان التعليم ومعدلات نمو السكان هي مؤشرات وعوامل مهمة ومساعدة على استقرار مجتمع ما وهو يلاحظ من خلال الاحصائيات التي يوردها ان جهد كبير في مجال التعليم قد تم في العالم العربي ( هو يستثني العراق في هذه النقطة بسبب ظروف الحصار الذي اعاق التقدم في هذا المجال) وهو يقول ان البلدان العربية في طريقها للمرور في المرحلة الثانية من الانتقالة السكانية تلك التي تؤدي الى ثبات عدد السكان (ص. 465 ـ466 ).. ولكنه يطرح سؤال مهم في الاسطر الاخيرة من كتابه .. هل ان الثبات السكاني سيؤدي الى استقرار سياسي ؟؟ ويجيب ، هناك تحديين (بمعنى ان ذلك مشروط بـتحقيق) : الاستقلال الحقيقي والديمقراطية (ص. 466) .. تجدر الاشارة الى ان الكتاب صدر في 1999 .. واعتقد ان لورنس لم يضع مفردة الاستقلال قبل مفردة الديمقراطية اعتباطا .. انه منطق الاولويات.



Henry Laurens , Paix et guerre au Moyen-Orient, l'Orient arabe et le monde de 1945 à nos jours

2007/06/27

اسباب الفوضى .. ثقافية محلية ام جيوسياسية خارجية ؟

مقال فالح عبد الجبار في الحياة هو عينة لما يُكتب هذه الايام شرحا وتفسيرا للفوضى التي تعم المنطقة .. فحوى المقال: هناك صراع عنيف على الدولة في مجتمعاتنا .. وهذا الصراع العنيف سببه فشل حضارتنا العاجزة عن انتاج صيغة عقلانية لمفهوم الدولة .. ذلك ان مجتمعنا "ما يزال يرفل في دفء تنظيمات القرابة الاولية، العائلة والقبيلة، ثم الطائفة والجماعة الدينية" .. و يتميز بتحجر البنى الاجتماعية الموروثة .. وخلاصة القول ان اسباب مشاكلنا هي اسباب ثقافية .. وهذا هو جوهر الخطاب الثقافوي الذي يفسر كل شيء من خلال منظور الثقافة.

نعم اختفاء الروابط الاولية والعصبيات هو شرط ضروري لقيام صيغ دولة عقلانية ولكنه ليس شرطا كافيا .. هناك شروط اهم ولها الاسبقية في مسار بناء الدول اولا .. ومراكمة "صيغ عقلانية للدولة" ثانيا .. فالح عبد الجبار يناقش موضوع الدولة من دون حتى طرح ظروف تكوينها و شروط نجاحها تاريخيا .. كيف تم بناء صيغ دولة عقلانية في اوربا ؟ وما هي شروط نجاحها ؟؟ اوربا لم تخلوا من روابط اولية وحروب دينية وانقلابات وفوضى .. ولكن الروابط الاولية في اوربا اختفت تدريجيا مع قيام مركز قوي بنيت على اساسه الدولة .. المركز القوي هو شرط اختفاء الفوضى او ما يسميه
توماس هوبز " حرب الجميع ضد الجميع" او "حكم الغاب" .. الجذر الفكري لمفهوم الدولة الاوربية الحديثة نجده عند هوبز في كتابه "ليفياثان .. وفلسفتة السياسية هذه هي نتاج ظروف الحرب الاهلية الانكليزية التي عاصرها .

الدولة الاوربية لم تبدأ "بصيغ عقلانية" .. لقد قامت على العنف .. ومسار بناءها داخليا وخارجيا قد استمر عنيفا ما يقارب الاربعة قرون .. تم خلاله تدجين تنظيمات القرابة الاولية .. والدولة ذات الصيغ العقلانية ليست سوى المحطة الاخيرة في هذا المسار الطويل .. اوربا عصر التنوير رغم كل ثقافتها ظلت في فوضى عارمة .. لماذا ؟ ليس لان مجتمعاتها كانت " ترفل في دفء تنظيمات القرابة الاولية، العائلة والقبيلة، ثم الطائفة والجماعة الدينية" .. كلا .. بل لانها كانت ضمن منظومة جيوسياسية هشة استمرت حتى نهاية الحرب العالمية الثانية.

الدولة الاوربية لم تصبح "عقلانية" الا خلال الخمسين سنة الاخيرة .. بعد ان خرجت من اكبر مذبحة في تاريخ البشرية .. واستقرارها الذي مهد "لصيغ عقلانية" قد نجح لا بفضل ثقافة اوربا .. وانما قبل كل شيء بفضل مظلة امريكية صمدت امام الجيش الاحمر السوفيتي .. هل كان باستطاعة اوربا التمتع بـ "صيغ عقلانية للدولة" من دون تدخل الامبراطورية الامريكية واتفاقها مع الاتحاد السوفيتي على تقاسم النفوذ فيها .. قطعا لا .. بمعنى ان العامل الخارجي كان ولا يزال وراء هذا السلام الاوربي وبالتالي "الصيغ العقلانية" للدولة .. اذا فالعامل الثقافي ليس كافيا من دون عامل الاستقرار الخارجي المؤهل لخلق استقرار داخلي وبالتالي صيغ عقلانية للدولة.

كيف لمجتمعات " استقلت" قبل ثمانين عام ان تقيم "صيغ عقلانية للدولة" ؟ كيف لمجتمعات تعيش زلزال سياسي كل عشرين عام ومنذ "استقلالها" ان تراكم مثل تلك الصيغ ؟ كيف لمجتمعات تهاجر نخبها تبعا لمواسم هذه الزلازل السياسية ان تراكم صيغ عقلانية للدولة ؟ حتى وان وضعنا ملائكة بدل سكان المشرق العربي فسوف لن يكون هناك سلم ولاتراكم ولا دول حتى .. لان منطقتنا تخضع لقوانين " اللعبة الكبرى" التي تتلاعب من خلالها الدول الكبرى بمصائر شعوب المنطقة طبقا لمصالحها.


هل هناك في طرح فالح عبد الجبار ربط بين سقوط تياراتنا الليبرالية على يد العسكر وبين قيام اوربا بزرع اسرائيل في منطقتنا لكي تتخلص من مشكلتها اليهودية .. هل هناك ذكر لاستنزاف الموارد الهائل الذي تبع ذلك .. هل يذكر لنا فالح عبد الجبار ان ثلث سكان بغداد كانوا من اليهود يعيشون بسلام فيها محاطين "ببدو متخلفين تحكمهم روابط اولية" في نفس الفترة التي كان فيها يهود برلين وباريس وبراغ يحرقون في افران المانيا التي كانت قمة اوربا ثقافيا .. بالطبع لا.. الخطاب الثقافوي التحقيري يكفي .. التطبير الفكري وجلد الذات يروق لانصاف المتعلمين.

عندما نعرف ان فالح عبد الجبار يتعاون مع "معهد السلام الامريكي" ( تسمية لطيفة لمعهد يعد خطط ما بعد حروب الامبراطورية ) .. وهو قد شارك في "المشغل" الذي نظمته وزارة الخارجية الامريكية قبيل احتلال العراق من اجل وضع تصورات ما بعد احتلال العراق .. اقول عندما نعرف ذلك نفهم دوافع هذا الطرح الثقافوي التحقيري .. اننا امام " خبير اخر في الشان العراقي" يشاهد تبعات تحليلاته تدمر العراق .. و لابد من تبرير .. ويأتي التبرير محتقرا : "فئران المختبر" فشلت في الاختبار الديمقراطي لانها ذات بنى ثقافية متحجرة.

نعم زمن الفوضى هو ايضا زمن كليشات بامتياز.. انا شخصيا لن استغرب اذا ما سمعت في الاشهر القادمة عن صدور كتاب : " دور "الشكرلمه" في انهيار الدولة العراقية !!

2007/06/18

المافيا هناك .. خلف الدبابة .. جنرال


قرأت اول امس مقال سيمور هيرش في الـ "نيويوركر" عن الجنرال انتونيو تاكوبا ..الجنرال الذي قام بالتحقيق عن جريمة التعذيب في سجن ابو غريب .. المقال يذكرنا بشيء مهم وهو ان العالم لم يرى بعد كل تفاصيل تلك الجريمة .. العالم لم يطلع بعد على "هدية" الديمقراطية الامريكية الى شعب الدكتاتور المحرر .. الصحفي سيمور هيرش يقول :

علمت من الجنرال تاكوبا أن الموجة الأولى من المواد تضمنت وصفًا للإذلال الجنسي تعرض له أب مع ابنه كانا محتجزان معا. منذ ذلك الحين ظهرت العديد من هذه الصور ، بما في ذلك صورة لامرأة عراقية محتجزة وهي تكشف ثدييها ؛ ولكن صور كثيرة اخرى تم حجبها .... الجنرال تاكوبا يقول إنه شاهد "شريط فيديو لجندي أمريكي يرتدي زيًا رسميًا يمارس اللواط مع سجينة عراقية". لم يتم نشر هذا الفيديو في أي من إجراءات المحكمة اللاحقة ، ولم يكن هناك أي إشارة رسمية له


I learned from Taguba that the first wave of materials included descriptions of the sexual humiliation of a father with his son, who were both detainees. Several of these images, including one of an Iraqi woman detainee baring her breasts, have since surfaced; others have not. .... Taguba said that he saw “a video of a male American soldier in uniform sodomizing a female detainee.” The video was not made public in any of the subsequent court proceedings, nor has there been any public government mention of it


لا جديد جنرال .. هناك دائما حدود لحرية النشر في الديمقراطيات عندما يتعلق الامر بمصالحها العليا .. وهي في تلك النقطة بالتحديد لاتختلف عن الدكتاتوريات .. ثم من سيهتم الان بتفاصيل اكثر؟  استمر جنرال .. استمر .. تقول ان بعض اصدقاءك من "المحاربين القدامى" يعاملك ببرود بعد نشر تقريرك .. تقول ان بعضهم لا يرد عليك السلام حتى .. تقول انهم قد "احالوك" على التقاعد مؤخرا بسبب قيامك بواجبك .. لابأس جنرال .. افهم ان كبار العسكر لا يحبون التقاعد .. ولكن لك زوجة واطفال .. وعائلة في هاييتي .. جزيرة تليق بـ "محارب قديم" هاييتي.

عذرا جنرال .. ولكنني لم افهم كلماتك حين تقول ان قرار تعيينك بهذه المهمة قد جاء من باب الصدفة .. حجتك غير مقنعة .. لا اظنك ساذجا هنا .. افهم الاسباب التي تجعلك تتجاهل تلك النقطة المهمة وراء تعيينك .. ولكنني اظن انهم قد اختاروك لاعتقادهم انك ، انت ذو الاصل المهاجر والمحمل بعقد النقص والخوف من السيد ، لن تجرؤ على ادانة البلد الذي احتضن عائلتك القادمة من الفيلبين .. لم تتلاعب بالحقائق ..كما جرت العادة هناك .. خيبت حساباتهم.

ولكنك ساذج في جملتك الاهم في هذا المقال .. وصف لقائك مع الجنرال ابي زيد ذكرني بفلم العراب :


بعد أسابيع قليلة من نشر تقريره ، كان الجنرال تاكوبا، الذي كان لا يزال فيالكويت، يجلس في المقعد الخلفي لسيارة مرسيدس تابعة لقائد العمليات الامريكية الوسطى الجنرال أبي زيدأبي زيد كان يجلس في مقدمة السيارة جنب سائقه الخاص ومترجمه والذي يعمل أيضًا حارسا شخصيا له . استدار أبي زيد إلى تاكوبا وقال له بنبرة تهديد : "سيتم اخضاعك للتحقيق، انت وتقريرك"


 الجنرال تاكوبا قال معلقا على هذا التهديد: "لم أكن غاضبًا مما قاله ولكني شعرت بخيبة أمل لأنه قال ذلك لي . لقد خدمت في الجيش لمدة اثنين وثلاثين عامًا ، وكانت هذه هي المرة الأولى التي شعرت فيها أنني في مافيا"


A few weeks after his report became public, Taguba, who was still in Kuwait, was in the back seat of a Mercedes sedan with Abizaid. Abizaid’s driver and his interpreter, who also served as a bodyguard, were in front. Abizaid turned to Taguba and issued a quiet warning: “You and your report will be investigated 

 I wasn’t angry about what he said but disappointed that he would say that to me,” Taguba said. “I’d been in the Army thirty-two years by then, and it was the first time that I thought I was in the Mafia 


هو كما تقول تصرف مافيا .. ولكن ابي زيد ليس سوى "بيدق" صغير .. مرتزق اخر.. مهاجر اخر من اصل لبناني.. غرييييين كارد اخر .. المافيا التي تقتل وتبتز الشعوب الفقيرة .. تتلاعب بمصائرها لكي تتحكم بثرواتها .. تلك المافيا هي من تقف وراء البيادق .. وراء العسكر المرتزقة .. تلك المافيا تجلس هناك .. خلف الدبابة .. جنرال.

2007/05/23

“He’s a criminal”, Kassim’s wife said








هذا الفلم يعطي صورة هوليودية عن واقع الاحتلال .. كليشة من ارض الواقع ، مغمسة ببعض انسانية متجردة .. تنفيذ تقني عالي الجودة .. والطبخة جاهزة للهضم .. الهدف تحسين صورة الاحتلال .. الكثيرون سيهضمون بلا وعي تلك الطبخة .. عقد الذنب في بعض الأوساط هناك كبيرة .. عقد النقص في بعض الأوساط هنا اكبر .. عندما "يذرف" القوي دمعة يبكي الضعيف بشدة .. شكسبير فهم ذلك منذ قرون.

امريكا تستخدم اليوم سلاحها الاكثر فتكا .. الدعاية "الهوليودية" .. تقنية متينة وحرفية عالية غالبا ما تستحوذ على ارواح الناس وبالتالي عقولهم .. وصفات عاطفية مؤثرة جدا، يضعها عادة خبراء في علم النفس الدعائي من اجل فرض صور وبالتالي تصورات الامبراطورية .. عنف رمزي كما يسميه علماء الاجتماع وهو غالبا ما يكون اكثر فعالية.

لست متاكدا ان "قاسيييم" قد اتيح له الوقت ليقول ما تقوله "هوليوود" في هذا الفلم .. لذلك ارى ان هناك نسخة اقرب للواقع .. ارملة قاسم ستقول عن قاتل زوجها بانه مجرم .. وهي ستقول لاطفالها اليتامى ان قاتل ابيهم محتل .. سيعود ابن قاسم الذي يشتغل في الحقل الى البيت .. سيتخلى عن زراعة الارض التي يحب .. سيقوم بزرع عبوات على الطرقات .. ستنفجر الدبابة ابرامز.
هذة هي قصة الارض التي اهانها الاحتلال .. فانتقمت .. القصة لن تنتهي قريبا .. فتبعاتها طويلة .. ولن يكون هناك "هيبي اند" في النهاية.
 

2007/05/17

Who let the “genie” out of the bottle

هنا حوار اجرته مجلة لونوفيل ابسرفاتور الفرنسية مع زبغيني برجنيسكي مستشار الامن القومي الامريكي الاسبق
قبل ثلاث سنوات تقريبا من احداث ايلول 2001 .. كنت قد قرأت قبل فترة جملة من هذا الحوار في مقال نشرته صحيفة "العالم الدبلوماسي" الفرنسية .. وجدت النص الكامل للحوار قبل ايام .. وبالامس فقط وجدت ترجمته الانكليزية .. اعتقد انه يستحق القراءة


 :Le Nouvel Observateur: Former CIA director Robert Gates states in his memoirs: The American secret services began six months before the Soviet intervention to support the Mujahideen [in Afghanistan]. At that time you were president Carters security advisor; thus you played a key role in this affair. Do you confirm this statement?

Zbigniew Brzezinski: Yes. According to the official version, the CIA's support for the Mujahideen began in 1980, i.e. after the Soviet army's invasion of Afghanistan on 24 December 1979. But the reality, which was kept secret until today, is completely different: Actually it was on 3 July 1979 that president Carter signed the first directive for the secret support of the opposition against the pro-Soviet regime in Kabul. And on the same day I wrote a note, in which I explained to the president that this support would in my opinion lead to a military intervention by the Soviets.

Le Nouvel Observateur: Despite this risk you were a supporter of this covert action? But perhaps you expected the Soviets to enter this war and tried to provoke it?

Zbigniew Brzezinski: It's not exactly like that. We didn't push the Russians to intervene but we knowingly increased the probability that they would do it.

Le Nouvel Observateur: When the Soviets justified their intervention with the statement that they were fighting against a secret US interference in Afghanistan, nobody believed them. Nevertheless there was a core of truth to this...Do you regret nothing today?

Zbigniew Brzezinski: Regret what? This secret operation was an excellent idea. It lured the Russians into the Afghan trap, and you would like me to regret that? On the day when the Soviets officially crossed the border, I wrote president Carter, in essence: "We now have the opportunity to provide the USSR with their Viet Nam war." Indeed for ten years Moscow had to conduct a war that was intolerable for the regime, a conflict which involved the demoralization and finally the breakup of the Soviet Empire.

Le Nouvel Observateur: And also, don't you regret having helped future terrorists, having given them weapons and advice?

Zbigniew Brzezinski: What is most important for world history? The Taliban or the fall of the Soviet Empire? Some Islamic hotheads or the liberation of Central Europe and the end of the cold war?




نستطيع ان نسمي هذا الحوار "عندما تغتال فكرة ممتازة شعب كامل" .. اعتقد ان مقطع الحوار الذي يحاول فيه الصحفي المسكين ان يشير الى البعد الاخلاقي للموضوع ، سائلا "الا تندم على شيء اليوم؟ " وخصوصا اجابة برجنسكي على هذا السؤال " اندم على ماذا الخ" .. اعتقد ان هذا المقطع ينفع ان يكون اجابة على سؤال بعض الامريكيين : لماذا يكرهوننا هناك في الكوكب الاخر.

ليس من الصعب فهم الواقعية السياسية التي ينطلق منها برجنسكي في هذا الحوار .. اعرف ان الرجل ليس موظفا في الصليب الاحمر.. ولكن ان تسمعه يقول ان تأجيج حرب وبالنتيجة تدمير شعب كامل هي "فكرة ممتازة" لانها تصب في مصلحة الامبراطورية .. ان تسمعه يقول ذلك ويأتي اليوم ويعطي نصائح اخلاقية للادارة الامريكية الحالية .. فهذا كثير بحق عقول الناس .. برجنسكي رجل ذكي جدا لاشك في ذلك .. وهو في اخر مقال نشرته له الواشنطن بوست في 25 اذار 2007 يحلل بعمق كبير "ثقافة الخوف" التي اشاعتها الادارة الامريكية الحالية في المجتمع الامريكي .. ولكن برجنسكي الذي يلعب دور الحكيم اليوم لم يتطرق بنفس العمق الى ما هو في صلب المشكلة التي دمرت بالامس شعوب وتدمر اليوم شعوب وستدمر غدا شعوب اخرى .. ما دفع برجنسكي في السابق للتصرف بهكذا احتقار لحياة الشعوب .. وما دفع ديك تشيني وعصابته الى اتباع سياسات دمرت العراق هو ليس ثقافة الخوف كما يقول برجنسكي .. انها عقلية الامبراطورية .. ان تنظر للاخر باحتقار مستندا لمنطق القوة فقط .. هو جوهر عقلية الامبراطورية .. من يمتلك قوة الامبراطورية المادية ومن يعتقد بتفوقه القيمي لايعطي اهمية لشعوب "متخلفة" .. لذلك هو يستخدمها حسب اهوائه .. يدمر تراكم مجتمعاتها الهش .. يضحي بها كلما اعتقد موظف امريكي كبير انها فكرة ممتازة تنفع الامبراطورية.

اما رد برجنسكي " ايهما اهم بنظر التاريخ ؟ الطالبان ام سقوط الامبراطورية السوفيتية ؟ بعض اسلاميين مهووسين ام تحرير اوربا الوسطى ونهاية الحرب الباردة" .. ففيه قصر نظر تاريخي وعدم فهم للظاهرة الدينية خصوصا عندما يصدر ذلك التقيم ممن يعتبر أفضل محلل استراتيجي في امريكا .. يقال ان ستالين كان يستمع ذات يوم لشخص كان يحذره من خطر الفاتيكان في اوربا الشرقية..عندها قال ستالين لمحدثه مستخفا : " هذا البابا ، كم فرقة عسكرية تحت تصرفه" .. اعتقد ان برجنسكي في رده هنا يرتكب نفس خطأ "عدوه" ستالين .. الامبراطورية ومنذ سنوات بدأت بدفع ثمن تحليلات مستشاريها الغير مسؤولة.

اضعاف الشيوعية كان هدف امريكا الاول .. وهي كانت مستعدة للتحالف حتى مع الشيطان من اجل ذلك الهدف .. وهي في تلك الحقبة التي تسمى "الحرب الباردة" قد اشعلت العشرات من الحروب الساخنة التي دمرت حياة ملايين من البشر.. ومنطقتنا كان لها نصيب الاسد في هذا "المجهود الحربي" .. السعودية الاصولية ساعدت الامبراطورية في افغانستان .. وهي، مكافئة على جهودها، قد حصلت على دعم امريكا من اجل افشال كل التجارب العلمانية في منطقتنا لانها تهدد المحميات النفطية .. مرحى للوهابية .. مرحى للاسلام البترودولاري .. وهناك في الاعلام الامريكي ، بالامس وخصوصا اليوم بعد فشل مشروعهم في العراق تجد دائما من يردد بغباء ببغائي من ان الثقافة العربية غير قابلة للاصلاح .. كما لو ان الثقافة الآرية قد تحولت الى ديمقراطيات مدنية بين ليلة وضحاها وبقرار امبراطوري..


الصحفي الامريكي ادم هوشجايلد له تعليق لطيف عن كتاب روبرت دريفوس "لعبة الشيطان"، الذي يحكي قصة علاقة امريكا مع الحركات الاسلامية :
The enemy of my enemy is my friend’ is usually considered unsophisticated, tribal thinking. But Robert Dreyfuss shows how, during the Cold War, precisely this principle led the United States to support anti-Communist Islamist movements throughout the Muslim world—nurturing the whirlwind we are reaping today

امريكا تدفع اليوم ثمن تحالفاتها القديمة .. اصدقاء قدامى يصفون حساباتهم .. والضحية كالعادة شعب فقير اخر .. اتخيل مشاعر الجنرال الروسي الذي كان ضابطا في تخوم افغانستان انذاك .. كان الخوف يستولي عليه وهو يصارع اشباح اطلقتها امريكا .. الجنرال الروسي يفهم جيدا ما يدور في رأس الضابط الامريكي اليوم وهو يصف مهمته في جنوب بغداد بهذة العبارة :

three-dimensional chess in the dark — and that’s an understatement


اتخيل ما تقوله اليوم تقارير المحللين الاستراتيجيين في موسكو .."امريكا في العراق قد حصلت على افغانستانها.